يمثل المؤثرون الافتراضيون (VIs) ثورة في عالم التسويق الرقمي، حيث يتم تصميمهم بدقة لمحاكاة السمات البشرية واستنساخ سلوكيات وأسلوب أبرز الشخصيات المؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع تزايد انتشارهم، يعيد هؤلاء المؤثرون الافتراضيون صياغة مفهوم التسويق عبر المؤثرين، مما يدفع الباحثين إلى دراسة تأثيرهم عبر الثقافات، وفعاليتهم في مختلف الصناعات، بالإضافة إلى التحديات التي يطرحونها.
المؤثرون الافتراضيون: تأثير الفروقات الثقافية على تقبلهم
أظهرت دراسة أجراها “دي بواسيو وباودييه” (2023) أن الخلفية الثقافية تؤثر بشكل كبير على طريقة استقبال المؤثرين الافتراضيين. فعلى سبيل المثال، أبدى المستهلكون في الصين وفرنسا ردود فعل متباينة تجاه هؤلاء المؤثرين. فبينما يتفاعل المستهلكون الصينيون بإيجابية مع هذه الشخصيات، نظرًا لاعتيادهم على التطور التكنولوجي السريع، يظل الفرنسيون أكثر تحفظًا، حيث تتسم مواقفهم بمزيج من الفضول والتشكك، تأثرًا بثقافتهم المختلفة التي لم تشهد بعد انغماسًا كبيرًا في هذه الظاهرة. تشير هذه النتائج إلى أهمية تبنّي استراتيجيات تسويق تتماشى مع الخصوصيات الثقافية، خصوصًا في قطاعات مثل الرفاهية والأزياء الفاخرة.
العلاقة العاطفية: مفتاح جذب المستهلكين
تولي الأجيال الشابة، ولا سيما جيل الألفية وجيل “Z”، اهتمامًا كبيرًا للعلاقات العاطفية مع المؤثرين الافتراضيين، خاصة في قطاع المنتجات الفاخرة. فقد بينت الدراسة نفسها أن المحتوى القابل للتواصل والتفاعل هو العنصر الأساسي لجذب الجمهور. ولكي ينجح المؤثرون الافتراضيون، يجب ألا يكون شكله شبيهًا بالبشر فحسب، بل يجب أن يثير استجابات عاطفية حقيقية، مما يعزز الولاء للعلامات التجارية ويزيد من ارتباط الجمهور بها.
المؤثرون الافتراضيون والمصداقية: عامل حاسم في نجاحهم
يظل مفهوم مصداقية المصدر أحد العوامل الأساسية في قياس فعالية المؤثرين الافتراضيين. فقد أظهرت دراسات حديثة، منها أبحاث “دي بواسيو وباودييه” (2023) و”جهاوار وكومار وفارشني” (2023)، أن الجاذبية، والخبرة، والمصداقية، والتفاعل العاطفي هي الركائز الأساسية لتقبل هؤلاء المؤثرين. وتُعد المصداقية تحديدًا عاملًا بالغ الأهمية، إذ يظل المؤثرون الافتراضيون عرضة لحذر المستهلكين بشأن مدى شفافيتهم، نظرًا لأنهم يُدارون بالكامل من قبل الشركات. ورغم أن هؤلاء المؤثرين يتمتعون بالاستمرارية والثبات، إلا أن التساؤلات حول مصداقيتهم تظل قائمة.
تعزيز الارتباط الاجتماعي باستخدام نموذج S-O-R
تعمّق الباحث “هيثم زورّيق” وفريقه (2025) في دراسة الأبعاد النفسية التي تدفع المستهلكين للتفاعل مع المؤثرين الافتراضيين المشابهين للبشر. واستندت دراستهم إلى نموذج “المثير-الكائن-الاستجابة” (S-O-R)، حيث أظهرت أن إضفاء السمات البشرية على المؤثرين الافتراضيين، مثل الدفء والكفاءة، يعزز الإحساس بالحضور الاجتماعي لديهم. وبالتالي، يمكن للمسوقين تحسين مستوى التفاعل مع المستهلكين عبر تصميم مؤثرين افتراضيين يتمتعون بصفات إنسانية واضحة، مما يعزز من نوايا الشراء ويزيد من ولاء الجمهور.
التوازن بين الحداثة والثقة
كشفت دراسة (2024) عن التأثيرات المختلفة لأنواع المؤثرين الافتراضيين على سلوك المستهلكين، حيث أوضحت أن المؤثرين المشابهين للبشر (HVIs) يحظون بمستويات أعلى من الثقة ونوايا الشراء، بينما يجذب المؤثرون الأقرب إلى الأنمي (AVIs) الجمهور عبر عامل الحداثة والإبداع، لا سيما عندما يتم الإفصاح عن الشراكات التسويقية بوضوح. يشير ذلك إلى ضرورة أن يجد المسوقون توازنًا بين الابتكار والمصداقية لضمان نجاح حملاتهم التسويقية.
إعادة تعريف تموضع العلامات التجارية والتفاعل مع الجمهور
شهد قطاع الأزياء تجارب ناجحة في استخدام الشخصيات الرقمية، حيث أظهرت دراسة (2023) أن هؤلاء المؤثرون الافتراضيون يلعبون دورًا محوريًا في بناء هوية قوية للعلامات التجارية الجديدة. وقد تبين أن العوامل الأكثر تأثيرًا في تشكيل مواقف المستهلكين تجاه المؤثرين الافتراضيين تشمل إضفاء الطابع الإنساني عليهم، وإمكانية الارتباط بهم، وخبرتهم المدركة. ومع ذلك، يظل المؤثرون الافتراضيون بعيدون عن المؤثرين الحقيقيين فيما يتعلق بمسألة الأصالة، وهي إحدى التحديات الرئيسية التي تواجه هذا النموذج التسويقي.
الاعتبارات الأخلاقية والآفاق المستقبلية
لا يمكن تجاهل الجوانب الأخلاقية المتعلقة باستخدام المؤثرين الافتراضيين، حيث يثير الباحث “إدوارد-كلوديو جروس” (2024) تساؤلات جوهرية حول مدى أصالة هؤلاء المؤثرين وإمكانية استغلالهم للتلاعب بثقة المستهلكين عبر التفاعلات شبه الاجتماعية. وعلى الرغم من أن المؤثرين الافتراضيين يمثلون حلولًا تسويقية فعالة من حيث التكلفة وسهلة التكيّف، إلا أن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في تخصيص المحتوى قد يؤدي إلى تجاوز بعض الخطوط الأخلاقية. ومن هنا، تحتاج الأبحاث المستقبلية إلى التركيز على ضمان استخدام هذه التكنولوجيا بطريقة مسؤولة.
توصيات للمسوقين: كيفية تحقيق أقصى استفادة من المؤثرين الافتراضيين
مع تزايد الاعتماد على المؤثرين الافتراضيين، أصبحت استراتيجيات التسويق بحاجة إلى إعادة تشكيل لتناسب هذا التحول الرقمي. وبالنظر إلى المجالات التي يمكن أن تستفيد من هذه الشخصيات، بدءًا من الأزياء والرفاهية وصولًا إلى الإلكترونيات والرعاية الصحية، تبرز الحاجة إلى تصميم مؤثرين افتراضيين يتمتعون بصفات إنسانية واضحة وقدرة على التفاعل العاطفي مع الجمهور. ومن خلال الجمع بين العوامل الأساسية مثل التشابه البشري، والتفاعل العاطفي، والتكيف الثقافي، يمكن للمسوقين تحقيق أقصى استفادة من هذه الشخصيات الرقمية واستغلال إمكانياتها الكاملة في تعزيز العلامات التجارية.
