الذكاء الاصطناعي والقانون: هل يمكن أن يصبح القاضي آلة؟

عندما بدأ الذكاء الاصطناعي بالتطور السريع، بدأت أنظمته تتغلغل في المجالات القانونية، من تحليل العقود القانونية المعقدة إلى التنبؤ بقرارات المحاكم. بل إن بعض الدول بدأت بالفعل في اختبار أنظم للمساعدة في اتخاذ القرارات القضائية. لكن هل يمكن أن نصل إلى اليوم الذي يُصدر فيه القضاة الآليون الأحكام؟ وهل يمكن له أن يكون عادلًا في بيئة تعتمد على التفسير الإنساني للقوانين؟
كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي في القانون اليوم؟
حاليًا، لا تزال التطبيقات القانونية للذكاء الاصطناعي تقتصر على المساعدة في البحث القانوني وتحليل البيانات. منصات مثل “ROSS Intelligence” و”Lex Machina” يستخدم لمساعدة المحامين في العثور على القوانين السابقة والسابقة القضائية ذات الصلة بقضاياهم. كما تُستخدم الخوارزميات في بعض الدول للتنبؤ بنسبة نجاح القضايا بناءً على قرارات المحاكم السابقة.
في الصين، طوّرت المحاكم “قضاة افتراضيين” قادرين على التعامل مع القضايا البسيطة، مثل النزاعات التجارية الصغيرة. وفي إستونيا، يتم اختبار نظام ذكاء اصطناعي للفصل في الدعاوى القضائية التي تقل قيمتها عن 7000 يورو. هذه الأنظمة لا تحل محل القضاة الحقيقيين، لكنها تقدم توصيات قد تؤثر على القرار النهائي
هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون قاضيًا محايدًا؟
على الورق، يبدو الذكاء الاصطناعي مثاليًا لدور القاضي: لا تحكمه العواطف، لا يتحيز لجنس أو عرق أو دين، ولا يتأثر بالضغوط السياسية أو الإعلامية. لكن الواقع أكثر تعقيدًا.
أحد التحديات الكبرى هو أن الذكاء الاصطناعي يتعلم من البيانات المتاحة له، وإذا كانت هذه البيانات تعكس تحيزات تاريخية، فإن قراراته قد تكون غير عادلة. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، استخدمت بعض المحاكم خوارزميات لتقييم احتمالية عودة المدعى عليهم لارتكاب الجرائم. الدراسات أظهرت أن هذه الأنظمة كانت منحازة ضد المتهمين من خلفيات عرقية معينة، لأنها تدربت على بيانات قضائية تحمل نفس التحيزات.
بالإضافة إلى ذلك، القانون ليس مجرد تطبيق حرفي للنصوص، بل يتطلب فهمًا للسياق والظروف الفردية لكل قضية. القاضي البشري يمكنه أن يأخذ بعين الاعتبار مشاعر المتهم، دوافعه، وتأثير الحكم على المجتمع. أما الذكاء الاصطناعي، فهو يعتمد فقط على الحسابات الإحصائية
ماذا عن أخلاقيات القضاء؟
إذا أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من النظام القضائي، فمن سيتحمل المسؤولية عند وقوع خطأ؟ في حال أصدر نظام ذكاء اصطناعي حكمًا خاطئًا أدى إلى سجن شخص بريء، فمن سيكون المسؤول؟ الشركة التي طوّرت الخوارزمية؟ المحكمة التي استخدمتها؟ أم لا أحد؟
هذه الأسئلة تجعل من المستحيل حاليًا التخلي عن العنصر البشري في القضاء. حتى إذا تم دمج الذكاء الاصطناعي في المحاكم، فإنه سيظل أداة مساعدة للقضاة، وليس بديلاً لهم
المستقبل: تعاون بين الإنسان والآلة؟
بدلًا من التساؤل عما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيحل محل القضاة، ربما يكون السؤال الأكثر واقعية هو: كيف يمكننا استخدامه لجعل القضاء أكثر عدالة وكفاءة؟
قد يكون الحل هو نموذج “القاضي المساعد بالذكاء الاصطناعي”، حيث يستخدم القضاة الذكاء الاصطناعي لتحليل الأدلة، اقتراح الأحكام، والكشف عن التحيزات في القرارات. هذا يمكن أن يساعد في تسريع المحاكمات، تقليل الأخطاء، وجعل القانون أكثر شفافية
تحديات وتوصيات
إذا أردنا دمج الذكاء الاصطناعي في القضاء بطريقة مسؤولة، فمن الضروري وضع ضوابط واضحة. يجب أن تكون الخوارزميات شفافة وقابلة للتدقيق، ويجب أن تظل القرارات النهائية بيد القضاة البشريين لضمان العدالة. كما يجب تدريب المحامين والقضاة على فهم كيفية عمل الذكاء الاصطناعي، حتى يتمكنوا من استخدامه بفعالية دون الاعتماد الكامل عليه.
كما يجب أن تكون هناك قوانين تنظيمية تحدد حدود استخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء، لضمان عدم تجاوز سلطته، وألا يُستخدم بطريقة تؤدي إلى تمييز غير عادل ضد فئات معينة من المجتمع. يمكن أيضًا إنشاء لجان رقابية متخصصة لمتابعة أداء الأنظمة الذكية في المحاكم والتأكد من التزامها بالمعايير الأخلاقية والقانونية
الذكاء الاصطناعي سيغير شكل العدالة كما نعرفها، لكنه لن يحل محل القضاة في المستقبل القريب. القضاء ليس مجرد تطبيق للنصوص القانونية، بل هو فنّ فهم السياقات والأفراد والمجتمعات. الذكاء الاصطناعي قد يساعد في تحقيق العدالة، لكنه لن يكون يومًا رمزًا لها. المستقبل يكمن في التكامل بين القاضي البشري والتكنولوجيا، وليس في الاستغناء عن العنصر الإنساني تمامًا.
لقراءة المزيد للكاتبة اضغط هنا