تطبيقاتمنوعات

الميتافيرس: الثورة الرقمية التي تعيد تشكيل حياتنا اليومية

الميتافيرس من الخيال الأدبي الى الواقع العلمي،لم يكن ليتصور نيل ستيفنسون عند كتابته لرواية “تحطم الثلج ” (Snow Crash) عام 1992 ان ما يكتبه سيتحقق بفترة زمنية ليست ببعيدة. لكن التكنولوجيا و الذكاء الاصطناعي كانا اسرع  من تصورنا ومهدا طريقًا لعالم الميتافيرس مع بداية القرن الواحد و العشرين.

الميتافيرس عالم افتراضي سينقل حياتنا الواقعية الى داخله،حيث يشمل مجموعة من البيئات الرقمية التي تتيح للمستخدمين التفاعل مع بعضهم البعض ومع العناصر الرقمية الأخرى باستخدام تمثيلات شخصية (أفاتار) في بيئة ثلاثية الأبعاد.

سيمكن هذا العالم مستخدميه من التواصل، العمل، اللعب،التعلم والتسوق كما لو كانوا في عالم حقيقي. يتم دعم هذه التجربة باستخدام تقنيات مثل الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR)، مع تطور مستمر في مجالات الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، والبلوكتشين.

الميتافيرس من العاب الفيديو الى الاقتصاد الرقمي

ظهرت الميتافيرس في عام 2000 من خلال العاب الفيديو التي التي مكنت اللاعبين من التفاعل مع بعضهم البعض في بيئات ثلاثية الأبعاد.

الميتافيرس
صورة من الانترنت

وفي عام 2003، ظهرت منصة ” second life ” و هي منصة اجتماعية وبيئة افتراضية تسمح للمستخدمين ببناء عوالمهم الخاصة والتفاعل مع بعضهم البعض باستخدام (أفاتار). و كانت اول منصة من نوعها تدعم فكرة الميتافيرس.

و مع التطورات في هذا المجال بدأت الشركات الرقمية الكبرى بالمسارعة لحجز اماكن لها في عالم الميتافيرس ففي عام 2021، أعلن مارك زوكربيرغ، مؤسس شركة فيسبوك، عن تحول اسم الشركة إلى “ميتا”، وأكد أن الشركة ستتحول نحو بناء ميتافيرس. كما بدأت “مايكروسوفت”، “نيتفليكس”، و”أبل” في استثمار مبالغ ضخمة في تطوير تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز والبنية التحتية الرقمية لبناء الميتافيرس.من خلال شراء شركات تعمل في هذا المجال وتطوير برمجيات متقدمة تدعم التفاعل الرقمي.

مع ظهور العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، بدأ الاهتمام المتزايد بإنشاء اقتصادات رقمية داخل ميتافيرس. حيث يمكن للمستخدمين شراء وبيع الأصول الرقمية في بيئات ميتافيرسية، مثل الأراضي و العقارات الرقمية والملابس الافتراضية وغيرها باستخدام تقنيات البلوكتشين لضمان الملكية والأصالة،و هذا ما فعلته كل من شركة “NIKE” و”GUCCI ” لإنشاء منتجات داخل الميتافيرس.

الميتافيرس في الاستثمارات العربية

الميتافيرس
صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي عبر ليوناردو

توجد العديد من المشاريع الطموحة في هذا المجال الرقمي، مثل مشروع “2117” في دبي الذي يهدف إلى بناء عالم افتراضي يوفر تجارب استكشاف فضائية مميز،  حيث يمكّن الجمهور من مشاهدة كيف ستكون الحياة على المريخ من خلال الواقع الافتراضي.

اما المملكة العربية السعودية فتعمل على تطوير مدينة “نيوم” باستخدام تقنيات الميتافيرس، من خلال منصة XVRS التي تتيح للمستخدمين التواجد في المدينة افتراضياً والتفاعل معها، مما يساعد في تصميم وتخطيط المدينة المستقبلية.

تحديات الميتافيرس

سيطرح ميتافيرس بقدومه العديد من التحديات التي ستأثر على جوانب حياتية مختلفة

الخصوصية والأمان

تُعتبر حماية البيانات الشخصية من أبرز القضايا التي قد تؤثر على تطور الميتافيرس. فمع تزايد التفاعل في هذه البيئات الافتراضية، تتضاعف كمية البيانات التي يتم جمعها، بما في ذلك معلومات حساسة كالموقع، الأنشطة الشخصية، وحتى تفضيلات المستخدم. لذا سيكون تأمين هذه البيانات وحمايتها من الاستخدام غير المشروع تحديًا كبيرًا، خاصة في ظل زيادة الهجمات السيبرانية التي قد تستغل الثغرات لاختراق الأنظمة، مما يعرض المستخدمين لمخاطر سرقة الهوية والمال.

التفاعل البشري

قد يؤدي الاعتماد المتزايد على التفاعلات في الميتافيرس إلى تقليص التفاعلات الواقعية بين الأفراد، مما يعزز العزلة الاجتماعية ويؤثر سلبًا على العلاقات الشخصية والعائلية. بالإضافة إلى ذلك، قد يشكل هذا العالم الافتراضي تهديدًا للصحة النفسية، إذ قد يعاني البعض من مشاعر انفصال عن الواقع أو اضطرابات اجتماعية جراء الاندماج المفرط في هذا العالم .

اللامساواة الرقمية

من التحديات الكبيرة التي سنواجهها هي الفجوة التقنية بين الدول والمناطق المختلفة. في بعض البلدان النامية، قد يجد الأفراد صعوبة في الوصول إلى التقنيات اللازمة للانخراط في الميتافيرس، مما يزيد من التفاوت الرقمي بين الدول. بالاضافة الى تكلفة الأجهزة المتطورة مثل نظارات الواقع الافتراضي والإنترنت عالي السرعة قد تكون غير ميسورة للكثيرين.

التنظيم والقوننة

بما أن الميتافيرس بيئة افتراضية جديدة نسبيًا، فإن القوانين التي تحكمه ما تزال قيد التطوير. سيكون على الحكومات وضع تشريعات قانونية تحكم السلوكيات داخل هذه البيئة، مثل حماية حقوق الملكية الرقمية، مكافحة الاحتيال، وحماية الفئات الضعيفة مثل الأطفال والمراهقين. إضافة إلى ذلك، يجب ان يكون هناك رقابة على المحتوى ، خاصة فيما يتعلق بالأنشطة غير القانونية أو خطاب الكراهية.

الميتافيرس
صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي عبر ليوناردو

 التأثير على الاقتصاد التقليدي

من المتوقع أن يساهم الميتافيرس في إعادة تشكيل سوق العمل التقليدي. فمع انتقال العديد من الوظائف إلى بيئات افتراضية، قد تصبح بعض الوظائف قديمة أو غير ضرورية، في حين تظهر وظائف جديدة تتطلب مهارات رقمية متقدمة. من جهة أخرى، ستتأثر التجارة التقليدية أيضًا، حيث قد يفضل بعض المستهلكين التسوق في بيئات افتراضية بدلاً من زيارة المتاجر الواقعية، ما قد يؤدي إلى تحولات اقتصادية كبيرة.

التحديات البيئية

تشغيل الخوادم التي تدير الميتافيرس يتطلب استهلاكًا كبيرًا للطاقة، وهو ما قد يساهم في التأثيرات البيئية السلبية. ومع زيادة عدد المستخدمين، سيكون من الضروري العمل على حلول مستدامة لتقليل الاستهلاك البيئي لهذه التقنية

من مجرد فكرة في الأدب إلى عوالم افتراضية معقدة وتكنولوجيا متطورة، يمر الميتافيرس بتطورات مستمرة، ويبدو أن له مستقبلًا واعدًا في تشكيل العديد من جوانب حياتنا الرقمية. مع كل هذه التطورات، يتوقع أن يصبح الميتافيرس أكثر تداخلًا مع واقعنا المادي في المستقبل القريب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى