منوعات

التزييف العميق: كيف يهدد ثقة الجمهور في عصر الذكاء الاصطناعي؟

في عصر تهيمن عليه التقنيات الحديثة، أصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والتزييف، خاصة مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي القادرة على إنشاء محتوى مزيف بشكل متقن. التزييف العميق (Deep fake) هو أحد أخطر هذه الأدوات، حيث يتم التلاعب بالصور ومقاطع الفيديو لتبدو وكأنها حقيقية، مما يهدد مصداقية الأخبار والمعلومات، ويؤثر على الرأي العام والسياسات العالمية.

ما هو التزييف العميق؟

التزييف العميق هو تقنية متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتحديدًا على الشبكات العصبية التوليدية لإنشاء محتوى رقمي مزيف يشبه الحقيقة إلى حد كبير. يمكن استخدام هذه التقنية للتلاعب بمقاطع الفيديو، وتغيير ملامح الوجوه، وتحريك الشفاه لمزامنتها مع صوت مزيف، وحتى استبدال الأصوات بشكل متقن، مما يجعل التزييف العميق واحدًا من أخطر أدوات التضليل الرقمي.

يعمل التزييف العميق من خلال تدريب الذكاء الاصطناعي على تحليل كمية هائلة من البيانات البصرية والصوتية لشخص معين، مما يمكنه من إعادة إنتاج تعابيره وصوته بطريقة طبيعية جدًا. هذه التقنية تُستخدم أحيانًا لأغراض إبداعية أو ترفيهية، مثل صناعة الأفلام أو إعادة إحياء شخصيات تاريخية، لكنها في الوقت نفسه تُستغل لأغراض خبيثة مثل نشر الأخبار المزيفة، تزوير التصريحات السياسية، الاحتيال الإلكتروني، وانتحال الهوية الرقمية.

.صورة من إنتاج الذكاء الاصطناعي تُجسّد مفهوم التزييف العميق والوجوه المزيفة

في عصر الذكاء الاصطناعي: المخاطر المترتبة على التزييف العميق

1. تقويض ثقة الجمهور: عندما يصبح من الصعب التمييز بين الحقيقي والمزيف، يتجه الجمهور إلى التشكيك في كل شيء، مما يضعف مصداقية الإعلام التقليدي وحتى المصادر الموثوقة.

2. التأثير على القرارات السياسية: يمكن استخدام التزييف العميق لنشر معلومات مغلوطة قبيل الانتخابات أو في أوقات الأزمات، مما قد يؤدي إلى تضليل الناخبين والتأثير على نتائج الانتخابات.

3. الابتزاز والاحتيال: تُستخدم هذه التقنية لإنشاء مقاطع مزيفة لأشخاص عاديين في مواقف غير حقيقية، مما يفتح الباب للابتزاز والاحتيال الرقمي.

كيف نحمي أنفسنا من التزييف العميق؟

1. تطوير تقنيات كشف التزييف: تعمل الشركات التقنية والمؤسسات البحثية على تطوير أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي للكشف عن المحتوى المزيف، مثل تحليل حركات الوجه والإضاءة غير الطبيعية.

2. تطبيقات كشف التزييف العميق: هناك عدة تطبيقات يمكن استخدامها للتحقق من صحة الصور ومقاطع الفيديو وكشف التزييف العميق، من بينها:

Deepware Scanner: يسمح للمستخدمين بتحليل مقاطع الفيديو واكتشاف التزييف العميق باستخدام الذكاء الاصطناعي.

Reality Defender: أداة متقدمة تعتمد على التعلم العميق لكشف التزييف في الوقت الفعلي.

Sensity AI: منصة متخصصة في اكتشاف التزييف العميق وتقديم تقارير دقيقة عن مدى مصداقية المحتوى.

InVID & WeVerify: أداة مفيدة للصحفيين للتحقق من صحة الصور ومقاطع الفيديو المنتشرة على الإنترنت.

3. التوعية الرقمية: من الضروري تثقيف المستخدمين حول مخاطر التزييف العميق وطرق التحقق من صحة المحتوى قبل تداوله، عبر منصات مثل Google Fact Check وSnopes.

4. تعزيز القوانين والتشريعات: بدأت بعض الدول بسن قوانين لمكافحة المحتوى المزيف، مثل الولايات المتحدة التي أصدرت قوانين تحظر استخدام التزييف العميق في الحملات الانتخابية.

صورة مولّدة عبر كانفا تظهر شخصًا يستخدم أدوات الإنترنت وبرامج للتحقق من الفيديوهات والصوتيات للكشف عن التلاعب والتزييف (الديب فيك).

إنَّ تقنيات التزييف العميق أصبحت أكثر انتشارًا، مما أدى إلى استخدامها في سياقات متعددة، من الترفيه إلى التضليل السياسي. أحد الأمثلة البارزة كان مقطع فيديو خلال اجتماع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث تم التلاعب بالفيديو وتحويلهما إلى شخصين يتصارعان في مشهد خيالي. رغم الطابع الكوميدي للمقطع، إلا أن انتشاره الواسع على وسائل التواصل الاجتماعي خلق حالة من التّفاعل الكبير، حيث صدّقه بعض المستخدمين قبل أن يتم كشفه كمحتوى مزيف. هذه الواقعة تُظهر كيف يمكن لمقاطع التزييف العميق أن تؤثر على تصورات الجمهور، حتى لو كانت تبدو ساخرة في البداية.

https://twitter.com/boldyboy1975/status/1896609882947911817?s=46
https://twitter.com/mog_russ/status/1895525334738747902?s=46

إذاً، في ختام الحديث، يجب التأكيد على ضرورة اعتماد أساليب وتقنيات فعالة لمكافحة هذا التهديد. إذ يتعين على الحكومات، الشركات، والمؤسسات الإعلامية تبني أدوات موثوقة للتحقق من المعلومات، مثل تقنيات الكشف عن التزييف العميق، وتعزيز التوعية العامة حول كيفية التمييز بين المحتوى الحقيقي والمزيف. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك تعاون عالمي في تطوير قوانين وتنظيمات تحمي الأفراد والمجتمعات من تأثيرات هذه التكنولوجيا على الثقة العامة. في عصر الذكاء الاصطناعي، تظل الشفافية والمصداقية أساسًا لضمان استدامة الثقة في المعلومات، وتجنب الاستغلال السلبي للتكنولوجيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى