Ai والمهن

ذكاء اصطناعي صديق للبيئة: هل يمكننا برمجة الذكاء الاصطناعي ليحمي الكوكب بدلا من استهلاك موارده؟

كل خوارزمية بلا وعي بيئي، هي خطوة نحو مستقبل أكثر تصحرًا

تيموثي مورتون

في عصرٍ يتسارع فيه التطور التكنولوجي بوتيرة غير مسبوقة، يبرز الذكاء الاصطناعي كقوة محورية قادرة على إحداث تحولات جذرية في مختلف المجالات، من الصناعة إلى الطب، وصولًا إلى البيئة. فمع تفاقم الأزمات البيئية، مثل تغير المناخ والتلوث واستنزاف الموارد، يلوح هذا التطور كأداة واعدة لرصد المشكلات وتحليلها، بل وحتى تقديم حلول مبتكرة. فهو يُستخدم بالفعل لرسم خرائط للانبعاثات الغازية، ومراقبة إزالة الغابات، وتتبع التغيرات في النظام البيئي بدقة فائقة.

لكن هذه الثورة الرقمية تأتي بثمن. فمع تزايد استخدامه، تتزايد أيضًا البصمة البيئية للبنية التحتية التي تدعمه. كل ذلك يثير تساؤلات ملحة حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي، الذي نأمل أن يكون جزءًا من الحل، قد يصبح جزءًا من المشكلة.  وفي هذا السياق، أصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة مؤخرًا مذكرة تسلط الضوء على البصمة البيئية للذكاء الاصطناعي، وتبحث في سبل التوازن بين الابتكار والمسؤولية البيئية.

لماذا يعتبر الذكاء الاصطناعي مشكلة بيئية؟

صورة مولدة من الذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي تعبر عن الضرر الذي يحدثه الذكاء الاصطناعي على البيئة
صورة مولدة من تشات جي بي تي تعبر عن الضرر الذي يحدثه الذكاء الاصطناعي على البيئة

1-استهلاك الطاقة

تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي، خاصة التعلم العميق ، على مراكز البيانات الضخمة تعمل على مدار الساعة، وتستهلك كميات هائلة من الكهرباء. على سبيل المثال, ذكرت شركة OpenAI أن تدريب نموذج ذكاء اصطناعي واحد قد يستهلك طاقة تعادل استهلاك أسرة أميركية لمدة عامين.

رسم بياني يوضح نسبة استهلاك الطاقة في مراكز البيانات
رسم بياني يوضح نسبة استهلاك الطاقة في مراكز البيانات

وضح هذا الرسم البياني الزيادة الكبيرة في استهلاك الطاقة بسبب تقنيات الذكاء الاصطناعي. شهدت جوجل زيادة بنسبة 16.2٪ في استهلاك الطاقة لعام 2023، بينما سجلت مايكروسوفت ارتفاعًا بنسبة 28.7٪ خلال نفس الفترة. عالميًا، تستهلك مراكز البيانات أكثر من من إجمالي الكهرباء المنتجة، ومن المتوقع أن يرتفع استهلاكها في الولايات المتحدة إلى ما بين 6.7٪ و12٪ من إجمالي الكهرباء بحلول عام 2028. يعكس هذا النمو المتسارع الحاجة إلى حلول مستدامة لتقليل البصمة البيئية لمراكز البيانات.

2-استهلاك المياه

تعد مراكز البيانات، حيث يتم تشغيل الذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية، منشآت ضخمة تحتوي على آلاف الخوادم والمعالجات التي تعمل باستمرار، مما يولد كميات هائلة من الحرارة. وللحفاظ على استقرار أدائها، يتم تبريدها باستخدام المياه، التي تُرش لتقليل درجة الحرارة.

رسم بياني دائري يوضح نسبة استهلاك المياه في مراكز البيانات لعام 2023
رسم بياني دائري يوضح نسبة استهلاك المياه في مراكز البيانات لعام 2023

يعكس هذا الرسم البياني استهلاك المياه في مراكز البيانات لعام 2023، حيث يظهر الفارق الكبير بين الشركات الكبرى في هذا المجال. سجلت مايكروسوفت استهلاكًا قدره 13 مليار لتر، بينما استهلكت جوجل حوالي 8.6 مليار لتر. ورغم ذلك، فإن النسبة الأكبر تعود إلى شركة أبل، التي يُقدر استهلاكها الفعلي للمياه بحوالي 300 مليار لتر، وهو ما يعادل 99% من بصمتها المائية، بما في ذلك المياه المستخدمة في سلسلة التوريد والتصنيع.

3-ندرة الموارد والتلوث الإلكتروني

يُساهم هذا القطاع بشكل كبير في انبعاثات الكربون، خصوصًا عبر تصنيع الشرائح الإلكترونية وبناء مراكز البيانات. رغم التحسينات في كفاءة الطاقة، من غير المتوقع انخفاض الانبعاثات في المدى القريب بسبب الطلب المتزايد على الأجهزة.

يتطلب تصنيع رقائق الذكاء الاصطناعي معادن نادرة مثل الليثيوم والكوبالت والنيوديميوم، والتي يتم استخراجها عبر عمليات تعدين تضر بالبيئة، مسببة إزالة الغابات وانبعاث كميات كبيرة من الكربون.

التطور السريع في هذا المجال يجعل الأجهزة القديمة غير مجدية بسرعة، مما يزيد من أزمة النفايات الإلكترونية. يتم التخلص من ملايين الأجهزة سنويًا دون إعادة تدوير كافية، مما يعمّق الأثر البيئي لهذه التكنولوجيا

رسم بياني يوضح نمو انبعاثات الكربون لشركتي جوجل و مايكروسوفت (2023-2019)
رسم بياني يوضح نمو انبعاثات الكربون لشركتي جوجل و مايكروسوفت (2023-2019)


ويخلص رين إلى القول: “إذا نظرنا فقط إلى الانبعاثات الناجمة عن استهلاكها المباشر للطاقة والمياه، فسوف نجد أنها قادرة على تحقيق عدم انبعاثات أو عدم استخدام كميات من المياه تفوق ما تساهم به بحلول عام 2030، وربما حتى قبل ذلك. ولكن إذا نظرنا إلى بصمتها الحقيقية، فمن غير المرجح أن تحقق الحياد بحلول عام 2030”.

خلاصة:

لا توجد بيانات دقيقة عن استهلاك الطاقة والمياه في مراكز البيانات لعام 2025، لكن من المتوقع أن يستمر ارتفاع الاستهلاك بسبب زيادة الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية. هذا يشير إلى الحاجة الملحة لتبني حلول مستدامة وتقنيات مبتكرة لتقليل الأثر البيئي لهذه المراكز وضمان تلبية الطلب على الكهرباء والمياه بطرق صديقة للبيئة.

كيف تساهم التقنية الحديثة في استدامة كوكب الأرض؟

صورة مولدة من الذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي تعبر عن استدامة كوكب الأرض عبر الذكاء الاصطناعي
صورة مولدة من تشات جي بي تي تعبر عن استدامة كوكب الأرض عبر الذكاء الاصطناعي

يُعدّ الذكاء الاصطناعي أداة قوية يمكن استغلالها بطرق متعددة لتحقيق فوائد كبيرة في مختلف المجالات:

1-المراقبة البيئية باستخدام الذكاء الاصطناعي

التقنيات الحديثة تعزز مراقبة البيئة عبر تحليل صور الأقمار الصناعية ورصد التغيرات البيئية، مثل إزالة الغابات وتبييض الشعاب المرجانية. يُستخدم أيضًا لتتبع الأنواع المهددة بالانقراض باستخدام كاميرات ذكية وتقنية التعرف على الوجه مما يساعد في جمع بيانات حول سلوكيات وحركات الحيوانات، مما يساهم في وضع خطط حماية فعالة. كما يساعد في مراقبة جودة الهواء وتحديد مصادر التلوث.

2-الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الدائري

صورة مولدة من الذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي تعبر عن مراقبة البيئة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي
صورة مولدة من تشات جي بي تي تعبر عن مراقبة البيئة عبر تقنيات حديثة

الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم في التحول إلى الاقتصاد الدائري من خلال تحسين إعادة استخدام الموارد وإعادة تدويرها. على سبيل المثال، يمكنه تحسين فرز النفايات لتسهيل إعادة التدوير وتصميم منتجات قابلة لإعادة التدوير. كما يساعد في تطوير مواد جديدة تلائم هذا النوع من الاقتصاد عبر التصميم التكراري المدعوم بالتعلم الآلي.

في نماذج الأعمال الدائرية، تعزز التقنيات الحديثة قدرة الشركات على التكيف مع تقلبات السوق وتلبية احتياجات العملاء بكفاءة. كما تساعد في إدارة النفايات الإلكترونية من خلال تحديد مكوناتها واستعادة الأجزاء المفيدة. في النهاية، تساهم هذه التقنيات في تسريع التحول نحو اقتصاد دائري أكثر استدامة ومرونة.

3-الزراعة الذكية

صورة مولدة من الذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي تعبر عن الزراعة الذكية عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي
صورة مولدة من تشات جي بي تي تعبر عن الزراعة الذكية عبر تقنيات حديثة

مشروع AgrarIA هو مشروع تم إطلاقه حديثًا في إسبانيا. يهدف إلى دراسة استخدام الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تقنيات أخرى مثل إنترنت الأشياء و الحوسبة السحابية، لتقديم حلول حقيقية لتحديد طرق إنتاج زراعي أكثر استدامة، ملتزمة بالكفاءة الطاقية وتقليل البصمة الكربونية.

تساعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تم تنفيذها على المنصة المزارعين في تحليل حالة المحاصيل والتربة عبر مساحات كبيرة من الأرض. وبذلك، تدعم إعادة تنظيم عمليات التغذية وحماية المحاصيل مثل الري و التسميد و مكافحة الآفات. وهذا يضمن تحقيق غلة كافية من المحاصيل من حيث الجودة والكمية. كل هذا يساعد في تقليل الانبعاثات والحفاظ على التنوع البيولوجي.

4-الحفاظ على المحيط

الذكاء الاصطناعي يُستخدم لتحليل بيانات الأقمار الصناعية ومراقبة الأنواع البحرية، صحة الشعاب المرجانية، واكتشاف الصيد غير القانوني. كما يُساعد في تحسين استراتيجيات الحفاظ على البيئة باستخدام الروبوتات تحت الماء والمركبات ذاتية القيادة لجمع بيانات حول جودة المياه وحياة البحر. هذه البيانات تُستخدم لفهم تأثيرات تغير المناخ على النظم البيئية البحرية.

الخاتمة

 صورة مولدة من الذكاء الاصطناعي تعبر عن حسنات وسيئات الذكاء الاصطناعي على البيئة
صورة مولدة من تعبر عن حسنات وسيئات الذكاء الاصطناعي على البيئة

الذكاء الاصطناعي اليوم يقف على مفترق طرق بين كونه منقذًا للبيئة أو تهديدًا خفيًا لها. فمن جهة، يُعدّ أداة ثورية لإدارة الموارد بكفاءة، مما يمنحنا فرصة لحماية كوكبنا بطرق لم تكن ممكنة من قبل. ومن جهة أخرى، فإن البنية التحتية التي تشغّله تشكّل تحديًا بيئيًا خطيرًا.

المفارقة هنا أنه يمكن أن يكون الحلّ للمشكلات التي يساهم في تفاقمها. المستقبل يعتمد على كيفية توجيه هذا التطور: هل سنستخدمه كصديق للبيئة؟ أم سنتركه ليصبح وحشًا يلتهم طاقة الأرض دون وعي؟ الحقيقة أنه ليس خيرًا مطلقًا ولا شرًا حتميًا، بل هو أداة تعكس قرارات من يشغّله. مستقبل البيئة في ظلّ هذا التطور ليس مكتوبًا بعد، لكنه بين أيدينا لنحدّد إن كان سيكون عهدًا جديدًا من الاستدامة، أم بداية عصر من الأزمات البيئية التي يصعب التراجع عنها.

رينا الحاج

رينا الحاج، صحافية لبنانية وطالبة ماجستير في الصحافة الرقمية . أعمل في المجال الإعلامي مع خبرة في الكتابة والتحرير وشغف بنقل الأخبار والمعلومات بدقة وموضوعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى