تطبيقات

هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفكر ويستنتج حقًا، أم أنه مجرد محاكاة؟

تُحقّق تقنيات الذكاء الاصطناعي تقدمًا مذهلاً، ولكنها تثير تساؤلات حول مدى قدرتها الفعلية على التفكير المستقل والاستنتاج.
يشهد للذكاء الاصطناعي تطورًا سريعًا، وهو ما يجعل متابعة التحديثات أمرًا صعبًا. تبدأ شركة “أوبن إيه آي” بالكشف عن نموذج جديد، ليتبعه في وقت قصير نموذج آخر من “ديبسيك” الصينية، ثم ترد “أوبن إيه آي” بنموذج أكثر تطورًا. وعلى الرغم من أهمية هذه النماذج، فإن الانشغال بتفاصيل كل تحديث قد يجعلنا نتغافل عن الصورة الكبرى في الأشهر الأخيرة.

هل النماذج الحديثة قادرة على الاستنتاج فعلًا؟


تدّعي شركات الذكاء الاصطناعي أن نماذجها الحديثة تتمتع بقدرات استنتاجية تشابه التفكير البشري في حل المشكلات. ولكن هل هذا الادعاء صحيح؟

إجابة هذا السؤال هامة للغاية، لأن مدى صدق هذا الادعاء سيؤثر بشكل كبير في طريقة تعامل الأفراد والحكومات مع الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية.
عند استخدامك لـ”تشات جي بي تي“، ستلاحظ أنه مصمم للرد بسرعة. ومع ذلك، تم تصميم النماذج الحديثة مثل o1 من “أوبن إيه آي” وr1 من “ديبسيك” لمعالجة المشكلات بطريقة تحليلية، حيث تقوم بتقسيم المشكلة إلى أجزاء أصغر وتعالجها تدريجيًا. وهذه التقنية تعرف بـ”التفكير المتسلسل”.

رأس روبوت شفاف يعرض دماغًا مضيئًا متصلًا بأنظمة ذكاء اصطناعي، محاطًا بعناصر رياضية وتقنية توحي بالتعلم العميق.
صورة مولّدة عبر الذكاء الاصطناعي ChatGPT

نتائج مثيرة، لكن مع بعض الإخفاقات


تمكنت هذه النماذج من حل الألغاز المنطقية المعقدة، والتفوق في اختبارات الرياضيات، وحتى كتابة أكواد برمجية خالية من الأخطاء. ومع ذلك، فشلت أيضًا في تقديم إجابات صحيحة لأسئلة بسيطة بشكل مذهل. على سبيل المثال، فشل النموذج o1، الذي يحمل اسم “Strawberry”، في تحديد عدد حروف “r” في كلمة “strawberry”.
هذا التفاوت يثير تساؤلات بين الخبراء: هل هذه النماذج تقوم بالاستنتاج فعلاً، أم أنها مجرد محاكاة لعملية التفكير البشري؟

ما هو الاستنتاج؟


قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال، من المهم أولاً فهم ما المقصود بالاستنتاج.
تعرّف شركات الذكاء الرقمي الاستنتاج على أنه تفكيك المشكلة إلى أجزاء أصغر وحلها تدريجيًا، مما يساهم في تحسين جودة الحل.
لكن علماء الإدراك يرون أن الاستنتاج يتضمن أنواعًا متعددة، مثل:

الاستنتاج الاستنباطي: الذي يبدأ من فرضيات عامة ليصل إلى استنتاجات محددة.
الاستنتاج الاستقرائي: الذي يعتمد على ملاحظات محددة لاستخلاص قواعد عامة.
الاستنتاج التماثلي، الاستنتاج السببي، والاستنتاج القائم على الفطرة السليمة، وغيرها.
إحدى السمات الأساسية للاستنتاج البشري هي التعميم، أي القدرة على استنتاج الأنماط من بيانات محدودة وتطبيقها على مواقف جديدة. على سبيل المثال، يستطيع الأطفال الصغار تعلم قواعد جديدة بعد مشاهدة عدد قليل من الأمثلة. فهل يستطيع الذكاء الاصطناعي تحقيق ذلك؟

رأي المشككين: هل للذكاء الاصطناعي قدرة على الاستنتاج؟


ترى الفيلسوفة شانون فالور أن النماذج الحديثة لا تستنتج بقدر ما تحاكي عمليات التفكير البشري. فهي لا تستنتج بالطريقة التي يفكر بها الإنسان، بل تعتمد على تكرار أنماط تعلمتها مسبقًا من البيانات.
عند تطوير نموذج o1، لم يتم تعديل الأسس التي قام عليها “تشات جي بي تي”، الذي كان يواجه صعوبة في حل المشكلات البسيطة. فلماذا نعتقد أن o1 سيكون مختلفًا، خاصة وأنه أيضًا فشل في الإجابة على أسئلة بسيطة؟

أجرت الباحثة ميلاني ميتشل من معهد Santa Fe تجارب على البشر ووجدت أنهم لا يحتاجون إلى وقت طويل لحل المشكلات باستخدام التفكير الاستنتاجي، بينما تتطلب النماذج الحديثة ساعات من الحسابات. هل هذا يعني أن هذه النماذج تستهلك طاقة حسابية ضخمة دون أن تفهم المشكلة حقًا؟

روبوت متقدم بتصميم مستقبلي مع رأس شفاف مضيء، محاط برموز رياضية ورسوم بيانية، بينما يعمل روبوت آخر على أجهزة الكمبيوتر في الخلفية داخل مختبر تقني متطور.
صورة مولّدة عبر الذكاء الاصطناعي ChatGPT

رأي المؤيدين: النماذج تمتلك قدرات استنتاجية


في المقابل، يرى بعض العلماء مثل رايان غرينبلات، رئيس الأبحاث في Redwood Research، أن النماذج الحديثة تمتلك قدرات استنتاجية، وإن كانت ما تزال تعتمد بشكل أكبر على التذكر والمعرفة المخزنة مقارنة بالبشر. ومع ذلك، فهو يرى أنها في طريقها نحو تطوير استنتاج أكثر تطورًا.

الذكاء الاصطناعي ليس “أذكى” أو “أغبى” من البشر
بدلاً من اعتبار الذكاء الاصطناعي “أذكى” أو “أغبى” من الإنسان، من الأفضل أن نراه كـ”ذكاء مختلف”. فبينما يتسم الذكاء البشري بالتكامل والتنوع، يمتلك الذكاء الاصطناعي “ذكاء غير متجانس” حيث يمكن أن يكون متميزًا في بعض المهام، وضعيفًا في أخرى.

تعتقد كاتيا كوترا، الباحثة في الذكاء الاصطناعي، أنه في المستقبل قد يتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في كافة المجالات. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف سنتعامل مع هذا التحدي؟

كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بحكمة


الاستخدام الأمثل: في المهام التي يمكن التحقق من نتائجها بسهولة، مثل كتابة الأكواد البرمجية أو إنشاء المواقع الإلكترونية.
الحذر: في المجالات التي لا توجد فيها إجابات واضحة، مثل القضايا الأخلاقية أو القرارات الحساسة، حيث ينبغي استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة للمساعدة في التفكير، لا كمرجع حاسم.
يبقى الجدل قائمًا حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على الاستنتاج فعلاً أم لا. في الوقت الراهن، من الضروري التعامل معه بحذر، والاستفادة من إمكانياته مع إدراك حدوده. التحدي الأكبر ليس في تطوير الذكاء الاصطناعي فحسب، بل في كيفية استخدامه بشكل مسؤول.

لقراءة المزيد للكاتبة اضغط هنا

أمل سيف الدين

أنا أمل سيف الدين، طالبة ماستر 2 في الإعلام الرقمي، وكاتبة في جريدة "الديار" ومحررة في موقعها الإلكتروني. كما أنني منتسبة إلى نقابة المحررين، وأسعى من خلال عملي إلى تسليط الضوء على القضايا المهمة ومواكبة تطورات الإعلام الرقمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى