عندما يتحول الدماغ إلى كمبيوتر: ثورة نيورالينك بين الطب والتكنولوجيا

منذ عقود، قدمت لنا أفلام ومسلسلات الخيال العلمي تصورات جريئة عن مستقبل البشرية عندما تندمج العقول البشرية مع التكنولوجيا. في مسلسل “The 100”,كان البشر قادرين على تحميل وعيهم إلى شبكة ذكاء اصطناعي، ليعيشوا داخل نظام رقمي يُعرف باسم “Shepherd’s Mindspace”، حيث يمكنهم التخلي عن أجسادهم والانضمام إلى وعي جماعي خالد. لكن السؤال الذي طرحه المسلسل بحدة: هل فقدان السيطرة على عقولنا هو الثمن الذي يجب دفعه لتحقيق هذه القفزة التكنولوجية؟
هذه الفكرة ليست جديدة على السينما. وعلى الجانب الكوميدي، في الفيلم المصري “اللمبي 8 جيجا” (2010)، نرى كيف يتحول شخص محدود الذكاء إلى عبقري بعد زراعة شريحة دماغية، لكنه يواجه عواقب غير متوقعة.
العناوين

ما كان يُعتبر خيالًا في الماضي أصبح اليوم واقعًا يُختبر. شركة “Neuralink“، تمكنت من زراعة أول شريحة دماغية في مريض بشري، في خطوة قد تغير تمامًا علاقتنا مع التكنولوجيا. فهل نحن على أعتاب ثورة علمية ستُحسن حياتنا، أم أننا نقترب من مستقبل تختفي فيه الفوارق بين الإنسان والآلة؟
ما هو تعريف شريحة الذكاء الإصطناعي Neuralink و كيفية استعماله؟
نيورالينك هي شريحة ذكاء اصطناعي، لها خيوطًا فائقة الدقة والمرونة، تحتوي على 1024 قطبًا كهربائيًا قادرة على التقاط الإشارات العصبية التي تتحكم في مختلف وظائف الجسم. هذه الأقطاب موصولة بجهاز صغير بحجم قطعة نقدية، يضم شريحة إلكترونية متطورة تعمل على معالجة البيانات العصبية وإرسالها إلى الأجهزة الرقمية عبر تقنية البلوتوث. يعتمد زرع هذه الخيوط داخل القشرة المخية—المسؤولة عن العمليات العقلية المعقدة مثل التفكير والعواطف—على تقنية جراحية دقيقة يتم تنفيذها بواسطة روبوت متطور، مما يضمن وضع الأقطاب الكهربائية في مواقعها المثلى لتحقيق أقصى كفاءة ممكنة.
ما هدف شركة Neuralink ؟
بحسب موقعها, فهدفها هو ” نريد أن ننقل هذه التكنولوجيا من المختبر إلى منازل الناس وفي المستقبل، نأمل في استعادة القدرات مثل الرؤية والوظيفة الحركية والكلام، وفي نهاية المطاف توسيع الطريقة التي نختبر بها العالم. “
تجارب ايلون ماسك للشريحة على الحيوانات والبشر
“من التجارب على الحيوانات إلى أول إنسان مزروع بالشريحة… كيف تطورت أبحاث نيورالينك؟ وما الذي كشفته عن مستقبل الدماغ البشري؟”
ما هي التحديات و المخاطر لزراعة النيورالينك؟
في عالمنا المتغير باستمرار، حيث تتقدم التكنولوجيا بوتيرة مذهلة، يعد أحدث مشروع لإيلون ماسك، Neuralink ، بإحداث ثورة أكبر في علاقتنا بالتكنولوجيا. ولكن بأي ثمن؟
المخاطر الجسدية المرتبطة بجراحة المخ
يتطلب تركيب الشريحة إجراء عملية جراحية في الدماغ، الأمر الذي يحمل في طياته عددًا من المخاطر الجسيمة، مثل النزيف والالتهابات وتلف أنسجة الدماغ.
مخاطر غير معروفة على المدى الطويل
إن الآثار المحتملة طويلة المدى لزراعة دماغ نيورالينك ليست مفهومة تمامًا، على الرغم من اختبارها على الحيوانات. ومن بين العواقب المحتملة الأخرى، قد ينطوي ذلك على تعديلات في المزاج أو الشخصية أو عمليات التفكير.
قضايا الخصوصية وأمن البيانات
سيتم جمع كمية كبيرة من المعلومات المتعلقة بنشاط دماغ الشخص عبر غرسات الدماغ في Neuralink. وهذا يطرح أسئلة حول كيفية حماية هذه البيانات ومن يمكنه الوصول إليها.
التفاوتات الاجتماعية المحتملة
يمكن أن تنشأ عدم المساواة في الوصول إلى التكنولوجيا على أساس التكلفة إذا اكتسبت غرسات Neuralink شعبية وأثبتت فائدتها.
نيورالينك والأطفال: هل نحن أمام ثورة طبية أم مخاطرة غير محسوبة؟
قال ماسك خلال جلسة أسئلة وأجوبة في حدث Neuralink: ” إذا طرحت سؤالاً مثل، في رأيي، هل سأكون مرتاحًا لزراعة هذا في أحد أطفالي أو شيء من هذا القبيل في هذه المرحلة، إذا كانوا في حالة خطيرة … مثل دعنا نقول إذا كسرت رقبتهم، هل سأكون مرتاحًا للقيام بذلك؟,”سأفعل ذلك”.
حتى الآن، لا توجد مقالات محددة تتناول تأثير شريحة “نيورالينك” على الأطفال. ومع ذلك، هناك اهتمام متزايد بتأثيرات التكنولوجيا العصبية على الأطفال بشكل عام. فبحسب اليونيسف تقدم التكنولوجيا العصبية فوائد محتملة، لكنها تحمل مخاطر عند استخدامها مع الأطفال. تشمل التحديات الرئيسية نقص البحث حول تأثيراتها على الأطفال الصغار، خاصة من حيث الآثار الصحية طويلة المدى وطريقة استخدامها بأمان. مع انتقال هذه التقنيات، مثل الأجهزة القابلة للارتداء، من المجال الطبي إلى السوق الاستهلاكية، يدعي البعض أنها تحسن التركيز والتعلم، ولكن ليس جميعها خاضعة للتنظيم الكافي لضمان سلامة الأطفال.

في السنوات الخمس إلى العشر القادمة، يمكن أن تتكامل التكنولوجيا العصبية في جوانب مختلفة من الحياة، بما في ذلك الطب والتعليم والعافية، مما يوفر مزايا كبيرة. ومع ذلك، قد تنشأ مخاطر غير متوقعة، خصوصًا في مجالات مثل التسويق، والعدالة الجنائية، والسياسة. وعند دمجها مع تقنيات جمع البيانات الأخرى، قد تتداخل التكنولوجيا العصبية مع التطور الجسدي والعقلي للأطفال، حيث يتم استخدامها لمراقبة سلوكهم، وعواطفهم، وتجاربهم المعرفية، وتأثيرها على كل مرحلة من مراحل نموهم.
هل نحن مستعدون لعصر البشر المعدلين

تُعد “نيورالينك” مثالًا على كيف يمكن للتكنولوجيا العصبية أن تفتح آفاقًا جديدة في ربط البيولوجيا بالتقنيات الحديثة، مما يساهم في تطور فهمنا للدماغ البشري. رغم ذلك، يرافق هذا التقدم التكنولوجي تحديات أخلاقية واجتماعية معقدة، خاصة عندما يتعلق الأمر باستخدام هذه التكنولوجيا مع الأطفال. فتطبيقاتها قد تثير العديد من الأسئلة حول الأمان، الخصوصية، وكيفية تأثيرها على النمو العقلي والجسدي للأطفال.
في ظل هذه المخاوف، من الضروري أن نتعامل مع “نيورالينك” والتقنيات العصبية الأخرى بحذر شديد، مع ضرورة وضع إطار قانوني وأخلاقي يحمي الأفراد، خاصة الفئات الضعيفة مثل الأطفال. وبالرغم من الفرص الكبيرة التي قد تقدمها هذه التكنولوجيا في المستقبل، مثل تحسين الرعاية الصحية والتعليم، إلا أن تحقيق هذه الفوائد يتطلب موازنة دقيقة بين الابتكار والمسؤولية. إن التحديات التي تطرحها “نيورالينك” تفتح المجال لمناقشة أوسع حول الدور الذي ينبغي أن تلعبه التكنولوجيا في حياتنا وكيفية ضمان استخدامها بشكل يتماشى مع مصلحة الإنسانية ككل.